آداب الإنترنت:ترك المراء والجدل

الموضوع في 'الحوار الجاد' بواسطة ساعد وطني, بتاريخ ‏29 نوفمبر 2014.

  1. ساعد وطني

    انضم:
    ‏27 مايو 2012
    المشاركات:
    50
    نقاط الجائزة:
    0
    الصفحة الرئيسية:
    التقييمات:
    +7 / 0 / -3
    مقدمة:
    إن الجدال من الأمور التي يجب على كل مسلم بل على كل إنسان ألا يتصف بها، ونعني بذلك الجدال بالباطل الذي أساسه طمس الحق وإحقاق الباطل، أو الذي مقصوده سَلْبُ حَقٍّ وانتزاعُه من صاحبِه، ونشرُ ظلم، وإحداث قطيعة، فكثرة الجدال ربما تؤدي إلى عواقب غير محمودة، وذلك من البغضاء والتشاحن بين المتجادلين، والشريعة السمحاء حريصة كل الحرص على عدم وقوع ذلك بين أفراد مجتمعها فهي شريعةُ تأليفِ القلوب ويتضح ذلك من القرآن الكريم حيث قال المولى جلا وعلا: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (1) .
    وقبل الخوض في الحديث عن هذا الأمر نود أن نتعرف على معنى الجدال والمراء وكيف عرفه اللغويون في معاجهم.
    معنى الجدال :
    قيل: إن الجدل مأخوذ من الجَدَالَةِ، وهي وجه الأرض، وذلك لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يُلْقِيَ صاحبَه عليها. يقال: طعنه فَجَدَّلَهُ، أي: رماه بالأرض.
    وقال في المصباح المنير: جادَل مُجادَلة وجِدالا: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، هذا أصله، ثم استعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها. وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم .اهـ. وجاء تعريفه في بعض المعاجم بأنه شدَّة الخصومة، أو هو شدَّة الخصام ومراجعة الكلام.
    معنى المراء :
    قيل: إن المراء هو الجدال نفسه. وقيل: المراء طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه. وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الفروق اللغوية أن الجدال والمراء بِمعنًى، غير أن المراء مذموم؛ لأنه مخاصمة في الحق بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال.
    ولقد جاء ذكر الجدال والمراء في مواطن متعددة من القرآن الكريم نذكر على سبيل المثال منها قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾(2) – وهذا من الْمَنهِيِّ عنه – وقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (3) وقوله تعالى: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ (4) – وهذا مما لا شيء فيه بل هو من النوع المحمود – إلى غير ذلك من الآيات التي لا يتسع المجال لذكرها الآن ولكن سنوردها تباعا كلٌّ في موضعه، والتي تحدثت عن هذه المادة باشتقاقتها المختلفة، ونرى من خلالها أن هذه الصفة قد ذُكِرت على سبيل الذَّم في أغلب المواطن القرآنية على الرغم من أنها قد تكون محمودة في بعض الأحيان وذلك إن كانت للوقوف على الحق كما رأينا من خلال الآيتين الكريمتين السابقتين وكما سبق في التعريف السالف ذكره.
    مضار الجدال والمراء :
    الجدال سبب التباغض :
    إن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص على أن تسود المحبة بين أفراد مجتمعها وعلى أن يحترم كل منهم رأي الآخر، لا أن يسود التباغض والتفرق والخلاف بين أفراد مجتمعها، والجدال مما لا شك فيه يعد من الأسباب الرئيسة في نشوب مثل هذه الأمور والتي أمر الشرع الحكيم بتركها والابتعاد عنها، فنجد الشريعة الإسلاميه حريصة كل الحرص على سد الذرائع الموصلة إلى هذه الأسباب والتي من شأنها زعزعة وحدة الأمة وبث روح التباغض والشحناء، ويتضح ذلك من ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ترك المراء والجدال حتى ولو كان الحق معك حيث قال صلى الله عليه وسلم: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ (5) لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (6) .
    هذا الترغيب النبوي في ترك المراء إنما هو نابع لأجل المصلحة العامة التي يرجوها لأمته صلى الله عليه وسلم، فهو المبلغ عن ربه وهو أعلم الناس به سبحانه وتعالى وبمراده فيما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، فقد تنقطع العلاقة المتينة الضاربة في الزمن بسبب جدال عقيم، داخلته حظوظ النفس وبتغرير من الشيطان، فكثرة الجدال لا شك تؤدي إلى تنافر كُلِّ طرف مِن صاحبِه، وهذا التنافر بدوره يؤدي إلى الشحناء والقطيعة اللتين نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ» (7) .
    يا لروعة الإسلام لو امتثل الناس أوامره واجتنبوا نواهيه، ما أجمل المجتمع الذي يسوده الوئام والحب والتعاون، لا شك أن هذا المجتمع المتضافر المتعاون غير المتباغض سيسود على كل مجتمع، بل ويكون منارة تهتدي بها كل المجتمعات الأخرى، وهذا ما كان عليه أغلب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، كانوا لا يدعون مسلكا للشيطان إلا وقاموا بسده والحيلولة دون الوصول إليه، وهذا هو الذي وَطَّد أركان دولتهم وساعد في اتساع رقعتها، ومن أهم العوامل التي ساعدت على بث تلك الروح بينهم حرصهم الشديد على وحدة الأمة، وكانوا يعلمون أنه بالجدال والنزاع والخلاف لا وحدة لدولتهم ولا محبة بينهم، وهم يعلمون كل العلم بأن مثل هذه الأمور ستكون معول هدم في صرح الأمة، وما وقع من بعضهم في مثل هذه الأمور لا شك حذرهم منه النبي صلى الله عليه وسلم وعاب على مَن فعل ذلك منهم وبين خطره، فكان الامتثال لأمره سريعا خوفا من العاقبة غير المحمودة.
    واعلم أيها الأخ الكريم أن المراء قبيح جدا؛ لأن فيه إيذاء للمخاطب وتجهيلا له وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد الفطنة والعلم، ثم هو مُشَوِّش للعيش، فإنك لا تُماري سفيها إلا ويؤذيك، ولا حليما إلا ويَقْلِيك.
    فيجب على كل مسلم أن يتخلى عن الجدال والمراء بالباطل وأن يذعن للحق متى تبين له حتى يسود المجتمع المحبة وروح التعاون وحتى يكون المسلمون على قلب رجل واحد لا تزعزعهم الأهواء.
    ولله در الشاعر إذ يقول:
    وَاحْذَرْ مُجَادَلَةَ الرِّجَالِ فَإِنَّها***تَدْعُو إِلَى الشَّحْنَاءِ وَالشَّنَآنِ
    وَإِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى الجِدَالِ وَلَمْ تَجِدْ*** لَكَ مَهْرَبًا وَتَلاقَتِ الصَّفانِ
    فَاجْعَلْ كِتَابَ اللَّهِ دِرعًا سَابِغًا***والشَّرْعَ سَيْفَكَ وَابْدُ فِي المَيْدَانِ
    الجدال بالباطل صفة غير المسلم :
    إن الجدال بالباطل لا يعد من صفات المسلمين، وإنما هو من صفات المعاندين المكذبين، وذلك لأن المسلم إذا تبين له الحق أذعن له وانقاد، فمتى تبين له وجه الصواب أخذ به تنفيذا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث أمرا بطاعتهما؛ لأن المسلم الذي ارتضى الله ربا ومحمدا صلى الله عليه وسلم رسولا وجبت عليه الطاعة دون منازعة ودون جدال قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾(8).
    إنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يختار مِن أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء، ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله واختاره له، نعم يجب على كل مسلم أن يبادر بطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يمتثل أمرهما دون جدال، وكيف يجادل في أمرٍ الله أعلم به، فهو سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح الناس في دنياهم وأخراهم، فهذا مما لا مجال للعقل فيه، بل الأولى التسليم والانقياد، ولقد جاء الأمر بطاعتهما في مواطن متعددة من القرآن الكريم وجاء النهي عن التنازع والذي هو سبب في الفشل وذهاب القوة قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ (9) .
    لقد أمر الله تبارك وتعالى المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله فيما يرشدهم إليه، ونهاهم عن التنازع وهو الاختلاف في الرأي فإن ذلك ينتج عنه الفشل وذهاب الريح، وهي القوة والنصر، كما يقال : الريح لفلان إذا كان غالبا في الأمر. ويعد الجدال العامل الأول في نشوب التنازع والخلاف بين أفراد المجتمع الواحد، فيجب نبذه والتخلي عنه حتى يتحقق هذا المطلب الأسمى وهو عدم الفشل وذهاب القوة والنصر.
    إن الجدال بالباطل لأمر خطير وعاقبته وخيمة، وكيف لا فبه يطفأ نور الحق ويعم ظلام الباطل، وبه يصير الإنسان مشابها لأهل الشرك والضلال؛ لأن من شأنهم وعادتهم الجدال بالباطل بعد سطوع نور الحق، قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ (10) فهؤلاء بلغوا من الكفر والعناد أنهم جاءوا مجادلين، لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان بل يقولون: إنْ هذا إلا أساطير الأولين. فعلى كل مسلم أن يسأل نفسه هل يريد أن يكون مع هؤلاء المعاندين وهل يريد أن يتصف بأوصافهم؟! لا شك أن الإجابة بالنفي، وما دام الأمر كذلك فعلى كل منا أن يكون من الذين إذا تبين لهم الحق قالوا: سمعنا وأطعنا.
    لقد ذم القرآن الكريم الجدال بالباطل وحذر منه أشد التحذير، وبين أنه صفة الكافرين المعاندين؛ وذلك لأن فيه إرادة لإزالة الحق، قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾ (11) ومعنى يدحضوا به الحق: أي يزيلوه ويبطلوه.

    خاص بالسكينة:الشيخ محمد الطايع
    رابط الموضوع : http://www.assakina.com/awareness-net/internet-etiquette/41576.html#ixzz3KfdZF86L
     
جاري تحميل الصفحة...
مواضيع شبيهة - آداب الإنترنت:ترك المراء والجدل
  1. عايدة الجعفري
    الردود:
    0
    المشاهدات:
    180
  2. R9Juve
    الردود:
    2
    المشاهدات:
    1,486
  3. Azz
    الردود:
    0
    المشاهدات:
    1,283
  4. ساعد وطني
    الردود:
    0
    المشاهدات:
    416
  5. as2012sem
    الردود:
    2
    المشاهدات:
    569
  6. عبدالملك الحربي
    الردود:
    9
    المشاهدات:
    1,094
  7. المنكسرلله
    الردود:
    47
    المشاهدات:
    3,476
  8. Bu Nawwaf
    الردود:
    2
    المشاهدات:
    508
  9. math-_-boy
    الردود:
    14
    المشاهدات:
    1,956
  10. MIVEC
    الردود:
    8
    المشاهدات:
    696

مشاركة هذه الصفحة